سورة النور - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} يعني بالزنى.
{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ} يعني يشهدون بالزنى إلى أنفسهم وهذا حكم خص الله به الأزواج في قذف نسائهم ليلاعنوا فيذهب حد القذف عنهم.
وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه حتى أنزل الله فيه هذه الآية.
الثاني: ما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد عويمر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فأنزل الله هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ» فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة فلاعنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظرواْ فَإِنْ جَاءتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ العَينَينِ عَظِيمَ الأَلِيَتِينِ خَدْلَجَ السَّاقِينِ فَلاَ أَحْسَبُ عُوَيمِراً إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيهَا، وَإنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيمِرَ كَأَنَّهُ وَحْرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ كَاذباً» فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصديق عويمر وكان بعد ينسب إلى أمه، قال سعيد بن جبير: ولقد صار أميراً بمصر وإنه ينسب إلى غير أب.
فإذا قذف الرجل زوجته بالزنى كان له اللعان منها إن شاء، وإن لم يكن ذلك لقاذف سواه، لأن الزوج لنفي نسب ليس منه ورفع فراش قد عرّه مضطر إلى لعانها دون غيره، فإذا أراد ذلك لاعن بينهما حاكم نافذ الحكم في الجامع على المنبر أو عنده، ويبدأ بالزوج وهي حاضرة فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قذفت به زوجتي هذه من الزنى بفلان إذا ذكره في قذفه، وإن لم يذكره في لعانه كان لعانه نافذاً. وإن أراد نفي ولدها قال: إن هذا الولد من زنى ما هو مني فإذا أكمل ما وصفنا أعاده أربعاً كما قال الله تعالى:
{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِم أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} والشهادة هنا يمين عبر عنها بلفظ الشهادة في قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة هي شهادة فرد بها لعان الكافر والمملوك ولو كانت شهادة ما جاز أن تشهد لنفسها وبلعنها، والعرب تسمي الحلف بالله تعالى شهادة كما قال قيس بن الملوح:
وأشهَدُ عِنْدَ اللَّه أنِّي أُحِبُّها *** فهذَا لَهَا عِندي فَمَا عِنْدَها لِيا
أي أحلف بالله فيما وصفتها من الزنى، وهو تأويل قوله: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} فإذا أكمل الخامسة فقد أكمل لعانه، فتلاعن هي بعده على المنبر أو عنده فتقول وهو حاضر: أشهد بالله أن زوجي فلاناً هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى وأن هذا- إن كان الزوج قد نفى في لعانه ولده منها- ما هو من زنى، تقول كذلك أربعاً، وهو تأويل قوله تعالى:
{وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ} أي يدفع، وفي هذا العذاب قولان
أحدهما: أنه الحد، وهو مذهب مالك، والشافعي.
الثاني: أنه الحبس، وهو مذهب أبي حنيفة.
{أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ} ثم تقول في الخامسة وأن عليّ غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به من الزنى وهو تأويل قوله تعالى:
{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّه عَلَيَهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} والغضب في لعانها بدلاً من اللعنة في لعان زوجها، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة المؤبدة بينهما، وبماذا تقع؟ فيه أربعة أقاويل:
أحدها: بلعان الزوج وحده وهو مذهب الشافعي.
الثاني: بلعانهما معاً، وهو مذهب مالك.
الثالث: بلعانهما وتفريق الحاكم بينهما، وهو مذهب أبي حنيفة.
والرابع: بالطلاق الذي يوقعه الزوج بعد اللعان، وهو مذهب أحمد بن حنبل ثم حرمت عليه أبداً.
واختلفوا في إحلالها له إن أكذب بعد اللعان نفسه على قولين:
أحدهما: تحل، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني: لا تحل، وهو مذهب مالك والشافعي. وإذا نفى الزوج الولد باللعان لحق بها دونه، فإن أكذب نفسه لحق به الولد حياً أو ميتاً، وألحقه أبو حنيفة به في الحياة دون الموت.
قوله تعالى: {وَلَولاَ فَضْلُ اللَّه عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ} في فضل الله ورحمته هنا وجهان:
أحدهما: أن فضل الله الإسلام ورحمته القرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أن فضل الله منه، ورحمته نعمته، قاله السدي.
وفي الكلام محذوف اختلف فيه على قولين:
أحدهما: أن تقديره: لولا فضل الله عليكم ورحمته بإمهاله حتى تتوبوا لهلكتم.
الثاني: تقديره: لولا فضل الله عليكم ورحمته بكم لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم.
{وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} فيكون المحذوف على القول الأول الجواب وبعض الشرط، وعلى الثاني الجواب وحده بعد استيفاء الشرط.


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ} في الإِفك وجهان
أحدهما: أنه الإِثم، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أنه الكذب. قال الشاعر:
شهيدٌ على الإِفك غَيْرِ الصَّوابِ *** وما شَاهِدُ الإِفك كَالأَحْنَفِ
{عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} وهم زعماء الإِفك، حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وعبد الله بن أبي بن سلول وزيد بن رفاعة وحمنة بنت جحش، وسبب الإفك أن عائشة رضي الله عنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست فضاع عقد لها من جزع أطفار وقد توجهت لحاجتها فعادت في طلبه ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله فَرُفِعَ هودجها ولم يُشْعَرْ بها أنها ليست فيه لخفتها وعادت فلم تر في المنزل أحداً فأدركها صفوان بن المعطل فحملها على راحلته وألحقها برسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيها وفي صفوان من تكلم وقدمت المدينة وانتشر الإِفك وهي لا تعلم به ثم علمت فأخذها من ذلك شيء عظيم إلى أن أنزل الله براءتها بعد سبعة وثلاثين يوماً من قدوم المدينة هذه الآية.
و {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي لا تحسبواْ ما ذكر من الإِفك شراً لكم بل هو خير لكم لأن الله قد بَرَّاً منه وأبان عليه.
وفي المراد بهذا القول قولان:
أحدهما: أن المقصود به عائشة وصفوان لأنهما قصدا بالإِفك، قاله يحيى ابن سلام.
الثاني: أن المقصود به النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعائشة رضي الله عنهما، قاله ابن شجرة.
{لِكُلِّ امْرِئ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} أي له عقاب ما اكتسب من الإِثم بقدر إِثمه.
{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} الآية قرئ بكسر الكاف وضمها، وفي الفرق بينما وجهان:
أحدهما: أن كبره بالضم معظمه وبالكسر مأثمه.
الثاني: أنه بالضم في النسب وبالكسر في النفس.
وفي متولي كبره قولان:
أحدهما: أنه عبد الله بن أبيّ، والعذاب العظيم جهنم، وهذا قول عائشة وعروة بن الزبير وابن المسيب.
الثاني: أنه مسطح بن أثاثة، والعذاب العظيم ذهاب بصره في الدنيا:
حكاه يحيى بن سلام.


قوله تعالى: {لَّوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} هلا إذا سمعتم الإِفك
{ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} فيه وجهان
أحدهما ظن بعضهم ببعض خيراً كما يظنون بأنفسهم.
الثاني: ظنواْ بعائشة عفافاً كظنهم بأنفسهم.
{إِفْكٌ مُّبِينٌ} أي كذب بيِّن
قوله تعالى: {لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيِهِ} أي هلا جاءُوا عليه لو كانوا صادقين.
{بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءِ} يشهدون بما قالوه
{فَإِذَا لَمْ يأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ} الآية..

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8